قرض السكن حلال ام حرام

خواص دارویی و گیاهی

الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فمن المعلوم أن الربا من أغلظ المحرمات، وأكبر الكبائر؛ قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278، 279]. وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “اجتنبوا السبع الموبقات”، فذكر منهن: “أكل الربا”. وفي صحيح مسلم من حديث جابر أنه قال: “لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه”. هذا؛ وقد نص عامة علماء العصر المعتبرين، والمجامع الفقهية، ومنها مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر في سنة 1965، الذي حضره عدد كبير من كبار علماء الأمة، ومجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، ومجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، ولجان الفتوى: على أن الفوائد البنكية هي عين الربا الذي حرمه الله ورسوله، ورأوا حرمة التعامل مع البنوك الربوية بالاقتراض والإقراض؛ أي الإيداع. إذا تقرر هذا: فلا يجوز شراء المنازل عن طريق القروض البنكية، التي هي عين ربا النسيئة، الذي حرمه الله، وحرمه رسوله صلى الله عليه وسلم وأجمع أهل العلم على تحريمه. وهو الربا الذي كانت العرب تتعامل به قبل الإسلام، ثم جاء الإسلام وهدمه؛ قال الإمام الجصَّاص في “أحكام القرآن”: “معلوم أن ربا الجاهلية إنما كان قرضاً مؤجلاً بزيادة مشروطة، فكانت الزيادة بدلاً من الأجل؛ فأبطله الله وحرمه”. ومهما بلغت حاجة المسلم، فإنه لا يجوز له أن يُقْدِم على الربا، إلا أن يصل إلى الضرورة التي تتوقف حياته على دفعها، ومن القواعد المقررة عند أهل العلم أن المحرم لا يستباح إلا لضرورة؛ لقوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119]. والسكن وإن كان ضروريا للإنسان كالطعام والشراب ولكن لا يلزم أن يكون ملكاً؛ فهذه حاجة وليست ضرورة، فلا يباح لأجلها الاقتراض؛ لأنه يمكنك الاستغناء بالإيجار، أو يقوم البنك بشراء البيت من صاحبه، ثم يبيعك إياه بثمن أعلى من الثمن الذي اشتراه به بالتقسيط؛ فهذا لا حرج فيه، بشرط أن يكون البيع بسعر محدد معلوم، غير قابل للزيادة، وإن تأخر السداد. أما ما ذكرته من عزوف الشباب عن الزواج، وتقدمهم في العمر، بسبب عدم القدرة على شراء المنزل؛ فكل هذا لا يبيح لهم الاقتراض بالربا؛ فعليهم أن يتقوا الله؛ قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2]، وأن يعلموا أن التعامل بالربا يعني إعلان الحرب على الله، ولا يُعلم ذنب دون الكفر كان الوعيد فيه بهذا الترهيب إلا الربا، والله سبحانه وتعالى يبتلي عباده بالحلال والحرام، وعلى المسلم أن يكون حريصاً على اجتناب المحرمات بعيداً عن مواطن الشبهات. أما بالنسبة لفتوى المجلس الأوربي: فقد استدلوا بما ذكرته من الضرورة، وقد تقدَّم أن امتلاك السكن من الحاجيات وليس من الضروريات، واستدلوا أيضا بإباحة أبي حنيفة التعامل بالربا في دار الحرب؛ لأن مال الحربيِّ مباح أصلاً. وقد أجيب على ذلك: أن الدين قد كمل ولا يجوز لأحد أن ينقص منه شيئا؛ قال أبو محمد بن حزم: “واتفقوا أنه مذ مات النبي صلى الله عليه وسلم فقد انقطع الوحي وكمل الدين واستقر، وأنه لا يحل لأحد أن يزيد شيئا من رأيه بغير استدلال منه ولا ينقص منه شيئا”، وأيضا لم يفرِّق الشرع بين تحريم الربا في دار الحرب ودار الإسلام، وهذا القول مع كونه ضعيفاً إلا أنه لا ينطبق على من هم في بلاد الإسلام. وكذلك الفتوى المنسوبة لبعض علماء السودان؛ خطأ محض، فلا يوجد أحد من أهل العلم المعتبرين حسب علمنا أباح الربا إن كان بين الأشخاص والدولة. وليُعْلم أن كل إنسان يؤخذ من قوله ويترك، إلا النبي صلى الله عليه وسلم وأن من استفرغ وسعه في الوصول إلى الحق؛ فأخطأه، فله أجر، وإن أصاب؛ فله أجران. وإن كنا نرى أن ما جاء في الفتوتين خطأ محض، ولمزيد من الفائدة يراجع كتاب “تحريم شراء المساكن عن طريق المورقج” للدكتور صلاح الصاوي، وكتاب “موسوعة المعاملات المعاصرة” و”فقه البيع والاستيثاق” للدكتور علي السالوس.. والله أعلم.

Loading

Loading

Loading

Working

Loading

قرض السكن حلال ام حرام

Working

Loading

Loading

Working

Loading

Loading

Loading

المسلمون يتساءلون : هل قرض الشقة حلال ام حرام ؟ شاهد اجابة د احمد عمر هاشم اشترك فى المحور| http://bit.ly/1t24KkEFollow Us| https://www.facebook.com/MehwartvChannelTwitter| https://twitter.com/MehwartvChannelWebsite| http://www.elmehwartv.comGoogle+| https://plus.google.com/+MehwartvChannel

Loading

Loading

Loading

Loading

Loading

Working

Loading playlists

الحمد لله الذي شرع لعباده ما يأخذون وما يذرون، الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد النبي المصطفى الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

صورة المسألة:

قرض السكن حلال ام حرام

أن يقصد الرجل شراء مسكن ثم يعجز (كلاً أو جزءً) عن دفع ثمنه نقداً، فيتجه إلى مؤسسة مالية ليقترض الثمن كله أو جزءاً منه، فينعقد القرض بينهما على أن تقرض المؤسسة المشتري قدراً من النقود يلتزم المشتري برده على أقساط شهرية بفائدة نسبية يتفق عليها في العقد، والجدير بالذكر أن هذه الفائدة محددة السقف من طرف البنك المركزي الذي هو ملك للدولة، وأنها ليست ثابتة النسبة، بل تحدد عوامل اقتصادية مختلفة ليس هذا محل ذكرها، وأن المبيع هنا (وهو المسكن) مسمى في عقد القرض، ولا يكون القرض إلا لشراء المبيع المسمى حتى أن المؤسسة المالية لا تضع يد المقترض على القرض، إنما تسلمه بنفسها للبائع.

والجدير بالذكر أيضاً أن للمقترض الخيار بين نوعين من الفائدة، فائدة ثابتة النسبة (وهي نسبة يوم العقد)، وبين فائدة متغيرة النسبة، تزيد وتنقص حسب المؤشرات الاقتصادية، ولابد بادئ ذي بدء أن أميز بين نوعي الفائدة وأقول: إن القرض ذي الفائدة المتغيرة أشد فحشاً من ذي الفائدة الثابتة المعينة في مجلس العقد، وذلك لما في المتغيرة – زيادة على الربا – من جهالة فاحشة في الثمن، ولذلك إن ذكرت القرض أو الفائدة فيما سيأتي فإن أقصد الفائدة الثابتة المعينة في مجلس العقد.

التكييف الفقهي للمسألة:

لهذه المسألة شقان: الأول: الاقتراض بفائدة، والثاني: الشراء للمسكن.

أ‌-       الاقتراض وتكييفه الفقهي:

لاشك بعدما تقدم من العرض أن هذا التعامل ربوي باتفاق، وذلك لأنه من باب القرض الذي يجر منفعة، وهو محرم في الأصل عند كافة الأمة منذ الصدر الأول إلى يومنا هذا، إذا كانت المنفعة فيه مشروطة في العقد، إلا أن المحرمات مراتب: كبائر وصغائر، وكل من هذه أيضاً مراتب، ومن المحرمات ما حرم قصداً ومنها ما حُرم وسيلة، وفائدة هذا الترتيب تظهر عند نظر الفقيه في ميزان الاستثناء، وذلك أنه لا يستباح في هذه الشريعة فعل ممنوع إلا لمصلحة أعلى مرتبة منه. فلابد إذاً من التمييز بين أنواع الربا ومراتبه في التحريم ليتسنى لنا وضع مسألتنا في مرتبتها، وفي ذلك يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى:”الربا نوعان: جلي وخفي، فالجلي حُرم لما فيه من الضرر العظيم، والخفي حُرم؛ لأنه ذريعة إلى الجلي، فتحريم الأول قصداً، وتحريم الثاني وسيلة. فأما الجلي فربا النسيئة، وهو الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية مثل أن يؤخر دينه ويزيده في المال، وكلما أخره زاده في المال حتى تصير المائة عنده آلافاً مؤلفة وسئل الإمام أحمد عن الربا الذي لاشك فيه فقال: هو أن يكون له دين فيقول له: أتقضي أم تربي، فإن لم يقضه زاده في المال وزاده هذا في الأجل”[1].

ويقول ابن رشد في بداية المجتهد:”واتفق العلماء على أن الربا يوجد في شيئين: في البيع، وفيما تقرر في الذمة من بيع أو سلف أو غير ذلك، فأما الربا فيما تقرر في الذمة فهو صنفان: صنف متفق عليه وهو ربا الجاهلية الذي نهى عنه، وذلك أنهم كانوا يسلفون بالزيادة وينظرون، فكانوا يقولون أنظرني أزدك، وهو الذي عناه عليه الصلاة والسلام بقوله في حجة الوداع:”ألا وإن ربال الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب”[2]، والثاني: ضع وتعجل وهو مختلف فيه”.

والذي تجدر الإشارة إليه في هذا المقام أن ما أورده هؤلاء العلماء في تصوير ربا الجاهلية الذي حُرم تحريم مقاصد لا ينطبق على مسألتنا؛ لأن الاقتراض من البنك ذو فائدة مشروطة سلفاً محددة ثابتة في العقد، بخلاف ربا الجاهلية الذي فيه”أتقضي أم تربي”عند حلول الأجل، ولأن نسبة الفائدة في القرض البنكي بسيطة، وما حرم كثيره لضرره وكان قليله لا ضرر فيه يكون تحريم القليل منه وسيلة لا قصداً، ولأن الاقتراض بخلاف الإقراض، إذ المقرض آخذ للربا والمقترض معطيه، وإعطاء الربا ذريعة لأخذه، ولذلك تولى القرآن أمر الآخذ فشنع عليه فعله وتوعده وأنذره، فقال تعالى {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (البقرة/275). وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} (البقرة/278-279). فالمحرم تحريم مقاصد هو أن يأخذ المقرض الزيادة على رأس مال القرض المشروطة في العقد لما في ذلك من ظلم للمعوز واستغلال له وأكل لأمواله بالباطل، ودفع المقترض الفائدة فعل محرم تحريم وسائل، يتناوله النهي عن القرض الذي يجر منفعة، وهو محمول عند أهل العلم على غير موضع الحاجة والضرورة كما سيأتي إن شاء الله.

وهذا مذهب وسط في هذه المسألة بين من اعتبر هذه الصورة هي عين ربا الجاهلية الذي قصد بالتحريم، وبين من لم يعتبرها من الربا أصلا وزعم أن الربا هو ما كان أضعافاً مضاعفة.

والذي يشهد لذلك في نظري أن الشراء عن طريق القرض البنكي ذي الفائدة البسيطة يؤول في حقيقته إلى بيع التقسيط الذي يسدد فيه ثمن المبيع منجماً على أقساط، وتسوغ فيه الزيادة على قدر الثمن المعجل لأجل التأخير، وهو صحيح إذا توفر شرطه، فهما معاملتان اختلفتا في الظاهر والمآل واحد، خاصة إذا اعتبرنا ما قدمته من أن المقترض في مسألتنا هذه لا يقرض إلا لشراء المبيع المسمى في العقد، ويقوم بتسليم الثمن للبائع بنفسه، فالقرض لا يدخل في ضمان المشتري إلا بعد استلام المبيع ولا فرق بين هذه الصورة وبين بيع التقسيط إلا وساطة المؤسسة المالية بين البائع والمشتري، فهي لذلك صورة أشبه ببيع التقسيط الذي دخله الفساد منها بصورة ربا الجاهلية والله أعلم.

ولو سلم لنا هذه التكييف واعتبر شراء المساكن عن طريق القرض ذي الفائدة البسيطة مما حرم تحريم وسائل، لانجلى الأمر وظهر الحكم المناسب، وذلك أن ما حرم تحريم وسائل تبيحه الحاجة كما ذكره غير واحد من أهل العلم، وكما تنبئ به تصرفات الشرع، وشراء المسكن هو على أقل تقدير من الحاجيات، كما سأبينه، لكن ما استقر في ضمير العامة ممن لا يميزون بين مدارك الأحكام من ارتباط لفظ القرض ولفظ البنك بما قصد تحريمه من الربا يدعو إلى زيادة شيء من التفصيل كما سيأتي إن شاء الله.

ب‌-   شراء المسكن وامتلاكه والتكييف الفقهي لذلك:

قبل أن نبدأ بعرض ذلك يحسن أن نطرح تساؤلات على شكل نقاط تلتف حولها التفاصيل المرجوة، وكلها نسبة إلى بلاد أوروبا والغرب بصفة عامة، وإلى فرنسا على وجه الخصوص:

§        هل السكن حاجة أم ضرورة؟ وما علاقته بحفظ الدين؟ وما علاقته بتوطين المسلمين في هذه البلاد؟ وهل يغني استئجار المسكن عن تملكه؟

§        إذا سلمنا أن شراءه ضرورة هل تبلغ إلى حد إباحة القرض؟ وإذا كان ذلك من الحاجيات، فما الحكم؟

وقبل الإجابة عن هذه التساؤلات يحسن أن نعرف بـ”المسكن”ثم نذكر من الشرع ما يدل على أنه مصلحة معتبرة.

فالسكن هو القرار في المكان المعد لذلك، والمسكن بفتح الكاف وكسرها، المنزل أو البيت، والجمع مساكن. والسكون ضد الحركة، يقال: سكن  بمعنى هدأ، وسكت.

واصطلاحاً: هو المكث في مكان على سبيل الاستقرار والدوام[3].

قرض السكن حلال ام حرام

وامتلاك المسكن أمر معتبر شرعاً لقوله تعالى {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} (النحل/8) ولما رواه أبو داود من حديث المستورد بن شداد قال: سمعت النبي r يقول:”من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة وإن لم يكن له خادم فليكتسب خادماً، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكناً”[4].

ولقد رتب الفقهاء على ذلك أحكاماً، ومن ذلك مسألة من مسائل الاستطاعة في الحج وهي: هل يكون من كان له بيت يسكنه قادراً على الحج، بأن يبيعه ويحج بثمنه؟ جمهور الفقهاء على أنه لا يجب على المكلف بيع داره لأجل الحج إذا كانت على قدر حاجته، بل قال الأحناف لا يلزمه بيعها مطلقاً[5].

والمعتبر من الحاجة في ذلك ما يرتفع به ضيق المسكن وقلة مرافقه وسوء جواره، فلقد كان صاحب الشرع صلوات الله وسلامه عليه يسأل ربه أن يوسع له في داره، وذلك فيما رواه أحمد وغيره عن أبي موسى وعن أبي هريرة رضي الله عنهم أن النبي r كان يقول في دعائه”اللهم اغفر لي ذنبي ووسع لي في داري وبارك لي في رزقي”[6].

وعن سعد بن أبي وقاص t قال: قال رسول الله r”من سعادة ابن آدم ثلاثة، ومن شقاوة ابن آدم ثلاثة: من سعادة ابن آدم: المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح، ومن شقاوة ابن آدم: المرأة السوء والمسكن السوء والمركب السوء”رواه أحمد بسند صحيح، ورواه الطبراني، والبزار والحاكم وصححه [7]، وقد جاء تفسير هذا الحديث في حديث آخر رواه الحاكم: أن رسول الله r قال: “ثلاثة من السعادة: المرأة الصالحة تراها تعجبك، وتغيب فتأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون وطيئة تلحقك بأصحابك، والدار تكون واسعة كثيرة المرافق، وثلاث من الشقاء: المرأة تراها فتسوؤك، وتحمل لسانها عليك، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون قطوفاً فإن ضربتها أتعبتك، وإن تركتها لم تلحقك بأصحابك، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق”[8].

وللطبراني”إن من شقاء المرء في الدنيا سوء الدار والمرأة والدابة”وفيه”سوء الدار ضيق ساحتها وخبث جيرانها”[9].

وللبخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله r يقول:”إنما الشؤم في ثلاثة في الفرس والمرأة والدار”[1] قال الحافظ في الفتح عند شرح هذا الحديث:”قيل معنى الحديث إن هذه الأشياء يطول تعذيب القلب بها لملازمتها، والحديث يشير إلى الأمر بفراقها ليزول التعذيب. وقيل: إن شؤم الدار ضيقها وسوء جوارها، وقول النبي r في حديث آخر”ذروها ذميمة”[11] من باب بيان أن المكث في مكان يؤثر على الطاقات الجسمية والعقلية من شقاوة المرء وذلك إذا كانت الدار ضيقة أو كان جارها سوء وليس من باب اجتناب التشاؤم والطيرة والاعتقاد بهما”[12].

وإذا لاح من هذه النصوص ما يمكن أن يسمى مناطاً وهو أن المسكن الصالح أمر معتبر شرعاً، فالذي يبقى هو تحقيق هذا المناط في واقع الأقلية المسلمة في بلاد الغرب، ولذلك نقول: إن القدر الضروري من المسكن هو الذي يتحقق به لصاحبه حفظ نفسه وعرضه وماله، وما زاد على ذلك إلى أن يصل إلى القدر الذي يحقق لصاحبه ما يحتاجه من الراحة والاستقرار فهو من قبيل الحاجة، وما زاد عليه فهو كمال. وهذا في الأصل، أما إذا اعتبرنا حال المسلمين في غير دار الإسلام، وهي استثناء، فالأمر بخلاف ذلك، لأنه يقضي معظم حياته بينهما، فإذا كان الدفع بتأثيرهما في اتجاه واحد كان الأمر طبيعياً وإن كان باتجاه متضاد – كما هو الحال في غير دار الإسلام – فيجب أن نقوي الدفع بالتأثير الإيجابي، فينبغي أن يكون مسكن المسلم في هذه الحالة هو الموضع الذي يتلقى فيه ما يحفظه من كل تأثير سلبي.

ومواصفات المسكن الذي يحقق حفظ الدين، تدول حول نقطتين:

الأولى: لا بد أن يختار موقع السكن حيث البيئة الصالحة التي هي شرط لتربية النشء، وأعني بذلك أن يختار الجار الصالح، ويختار ما أمكن جوار المؤسسات الإسلامية كالمساجد وغيرها، وأن يختار جوار المدرسة الناجحة والإسلامية على الخصوص إن وجدت. فهذه مؤثرات خارجية إن صلحت أثرت إيجاباً فكانت عوناً للبيت على أداء مهمته، وإن فسدت أثرت سلباً فكانت ضدا في ذلك.

الثانية: ينبغي أن يكون المسكن واسعاً يكفي لجميع أفراد الأسرة حسب ما تقتضيه الشروط المعيشية والأمنية المقبولة بمعايير هذه البلاد، ليتحقق القدر اللازم والكافي من الراحة والاستقرار، ولا يخفى ما في ذلك من الأثر البالغ في تنشئة الأولاد وتربيتهم من الناحية التعليمية والخلقية، وهو ما أثبتته الدراسات الاجتماعية، فبقدر ضيق المسكن يكون ارتفاع معدل الإخفاق المدرسي ومعدل الانحراف الخلقي، لأنه إذا ضاق بأهله تضايق الأولاد فطلبوا الفسحة في الشارع، وهو ما يسبب الكثير من مشاكل الجوار والكثير من المشاكل العائلية. فالإحصائيات أثبتت أن 55.7 % من الوافدين إلى فرنسا (وأغلبهم من المسلمين) يعيشون في مساكن تضيق بهم، في حين أن المعدل الوطني في ذلك لا يتجاوز 11.5 %، فكيف يكون مستقبل هؤلاء المسلمين مع هذا التأخر الهائل عن بقية مجتمعهم، خاصة إذا عرفنا أن معدل الولادة عندهم مرتفع بالنسبة للمعدل الوطني في المجتمع.

وفي الجملة إذا نظرنا إلى واقع المسلمين اليوم (في فرنسا بصفة خاصة وفي الغرب بصفة عامة) ففي الغالب لا يتحقق لهم مما ذكرت من مواصفات السكن المقبول إلا الشيء القليل، وأغلب المسلمين وجهوا إلى مساكن في بيئات سيئة يتفشى فيها الجهل وسوء الخلق والعنف والمخدرات وغيرها من الرذائل، يعيشون فيها على هامش المجتمع، وهو ما يفسر جزءاً كبيراً من إخفاقهم في ميادين عديدة، والإحصائيات تشهد بذلك، ومن أسباب ذلك – والله أعلم – أن أغلب المسلمين هنا ليسوا ملاكاً لمساكنهم بل مستأجرين (89.32 % منهم)، فالمستأجر لا يستطيع أن يختار سكناً بالمواصفات التي تحقق مصلحته؛ لأن الحاجة وطلب الرخص يلجئانه إلى قبول ما يعرض عليه من ذلك، ولذا أعتقد – والله أعلم – أنه لا مناص لهم من الشراء ليتمكنوا من اختيار ما يحقق لهم مصالحهم الضرورية، لكن السواد الأعظم من المسلمين لا يستطيعون دفع ثمن ذلك نقداً ولا بديل لهم في الغالب عن الاقتراض من البنوك، وهو في نظري تعامل جار مجرى العموم على مختلف طبقات هذا المجتمع، حتى أكاد أجزم أنه في هذه البلاد، ما خلا من امتلك مسكناً إرثاً أو هبة – أو ما أشبه ذلك – لا نجد من حصل له ذلك دون قرض ربوي، إما عجزاً عن إنقاد الثمن أم لأسباب ضريبية في حال القدرة.

فهل يجوز لهؤلاء المسلمين أن يستبيحوا القروض البنكية بما فيها من الفائدة الربوية لشراء مساكنهم؟

تقرر فيما سبق أن السكن بالمواصفات المذكورة ضرورة، كما تقرر أن ذلك لا يتحقق غالباً إلا بالشراء، فيكون الشراء نفسه ضرورة، خلافاً لمن زعم أنه يمكن الاعتياض عن الشراء بالاستئجار، وهو زعم مبني على رأي غير سديد ونظر غير بعيد،؛ لأنها ليست ضرورة فرد عابر أو ابن سبيل، بل ضرورة تعم جماعة في طور التأسيس والنشوء، وهي تتعلق بوجود المسلمين وتوطينهم في هذه الديار، وأساس المواطنة العلاقة بالأرض أولاً، فلا يغني الاستئجار في ذلك عن الشراء.

وقد بينت فيما سبق مضار الاستئجار ومنافع الشراء، ثم كيف يمكن لهذه الجماعة الأقلية أن تؤدي واجبها في تبليغ رسالتها بيد أنها لم توفر لذلك بادئ أسباب الاستقرار؟ يعيش الفرد منها كالمسافر طول حياته يقضي عمره منتظراً يوم عودته الذي لا يحل حتى يتوفاه الله تعالى.

إن امتلاك المسكن من ضرورات الجماعة لحفظ أمرها الديني والخلقي ولانتظام أمرها الاجتماعي والاقتصادي ولاستقرارها النفسي، ليتسنى لها أن تكون بحق جزءاً فاعلاً من هذا المجتمع.

الضرورة تبيح المحظور

المتقصي لتصرفات الشرع يجده قد عالج الضرورة بمسلكين تشريعين مختلفين: فمن الضرورة ما هو خاص مؤقت كما جاء الحديث عنه في القرآن الكريم والسنة النبوية، كما في قوله تعالى { فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} (البقرة/173)، ومن الضرورة ما يعم ويطّرد فكانت سبب تشريع عام كإباحة بعض العقود المستثناة من أصل ممنوع؛ لأن حاجة الناس داعية إليها حتى أصبح حكمها حكم المباح باطراد.

يقول ابن عاشور”وبين القسمين قسم ثالث مغفول عنه، وهو الضرورة العامة المؤقتة، وذلك أن يعرض الاضطرار للأمة أو طائفة عظيمة منها تستدعي إباحة الفعل الممنوع لتحقيق مقصد شرعي مثل سلامة الأمة وإبقاء قوتها، أو نحو ذلك، وهذا التوقيت وهذا العموم في هذا القسم مقول على كليهما بالتفاوت، ولا شك أن اعتبار هذه الضرورة عند حلولها أولى وأجدر من اعتبار الضرورة الخاصة، وأنها تقتضي تغييراً للأحكام الشرعية المقررة للأحوال التي طرأت عليها تلك الضرورة.

وليست أمثلة هذا النوع من الرخصة بكثيرة، فمنها:

–       الكراء المؤبد الذي جرت به فتوى علماء الأندلس كابن سراج وابن منظور في أواخر القرن التاسع في أرض الوقف حين زهد الناس في كرائها للزرع لما تحتاجه أرض الزرع من قوة الخدمة ووفرة المصاريف، وزهدوا في كرائها للغرس والبناء لقصر المدة التي تكتري أرض الوقف لمثلها، ولإباية الباني أو الغارس أن يبني أو يغرس ثم يقلع ما أحدث في الأرض، فأفتى ابن سراج وابن منظور بكرائها على التأبيد، ورأيا أن التأبيد لا غرر فيه؛ لأنها باقية غير زائلة، ثم تبعهما على ذلك أهل مصر في القرن العاشر بفتوى نصار الدين اللقاني في إحكار الأوقاف، وجرى العمل بذلك في المغرب في فاس وتونس في العقود المسماة عندنا في تونس بـ(النصبة والخلو)، وأُلحق بها الإنزال، وفي فاس بـ(الجلسة والجزاء).

–       ومنها فتوى علماء بخارى من الحنفية ببيع الوفاء في كروم بخارى لحاجة غارسيها إلى النفقات عليها قبل إثمارها كل سنة فاحتاجوا إلى اقتراض ما ينفقونه عليها.

وقد يطرأ من الضروريات ما هو أشد من ذلك، فالواجب رعيه , وإعطاؤه ما يناسبه من الأحكام”[13].

فإذا ثبت أن شراء المسكن ضرورة، ولا يمكن للمسلم تحقيق ذلك إلا بالقرض ذي الفائدة الربوية وهي ضرورة عامة مؤقتة في حق المسلم في غير دار الإسلامي، فيباح له ذلك ولا حرج عليه فيه – إن شاء الله –؛ لأن ضرورة المقترض وحاجته مما يرفع إثم ذلك التعامل؛ لأنه مضطر أو في حكم المضطر، والله تعالى يقول { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ بِالْمُعْتَدِينَ} (الأنعام/119) ويقول أيضاً { فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} (البقرة/173)، و”الضرورة تبيح المحظور”كما تقرر في القواعد الفقهية.

فإذا كان يباح للمضطر الخنزير والميتة والدم لحفظ النفس، وهي ضرورة فردية، فكيف بضرورة حفظ الدين وهي ضرورة عامة.

ويقول الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في كتاب المقاصد عندما تحدث عن عموم الشريعة سائر البشر في سائر العصور:”وقد أجمعوا على أنها مع عمومها صالحة للناس في كان زمان ومكان، ولم يبينوا كيفية هذه الصلوحية وهي عندي تحتمل أن تتصور بكيفيتين:

الكيفية الأولى:

أن هذه الشريعة قابلة بأصولها وكلياتها للانطباق على مختلف الأحوال، بحيث تساير أحكامها مختلف الأحوال دون حرج ولا مشقة ولا عسر. وشواهد هذه الكيفية ما نجده من محامل علماء الأمة أدلة كثيرة من أدلة الأحكام على مختلف الأحوال. ولكل من أئمة الشريعة نصيب من هذه المحامل، فإذا جمعت أنصباؤهم تجمع منها شيء وفير من تأويل ظواهر الأحكام على محامل صالحة لمختلف أحوال الناس.

مثاله: النهي عن كراء الأرض. قال مالك والجمهور: مَحْمَل النهي على التورع وقصد مواساة بعض المسلمين بعضاً دون جزم بنقض عقدة كراء الأرض، وكالنهي عن جر السلف منفعة، وقد حمله جماعة من فقهاء الحنفية على ما ليس فيه ضرورة، ولذا رخصوا في بيع الوفاء في كروم بخارى”[14].

الكيفية الثانية:

بيع الوفاء وهو البيع بشرط أن البائع متى رد الثمن يرد المشتري المبيع إليه، وإنما سمي بيع الوفاء؛ لأن المشتري يلزمه الوفاء بالشرط، وسبب منعه عند من منعه هو أنه تبادل لا يقصد منه حقيقة البيع وإنما يقصد من ورائه الوصول إلى الربا المحرم وهو إعطاء المال إلى أجل ومنفعة المبيع هي الربح، ولا ربا باطل في جميع حالاته. واحتج من أجازه من متأخري الحنفية والشافعية بأن البيع بهذا الشرط تعارفه الناس وتعاملوا به لحاجتهم إليه فراراً من الربا، فيكون صحيحاً لا يفسد البيع باشتراطه فيه، وإن كان مخالفاً للقواعد؛ لأن القواعد تترك بالتعامل كما في عقد الاستصناع[15].

عموم البلوى وأثره في المسألة:

فإن قيل: إن المسكن وشراءَه لا يعدو أن يكون من الحاجيات وليس ضرورة.

قلنا: قد يكون كذلك بالنسبة للأفراد، أما وقد شملت الحاجة إليه عموم الناس فيصبح في حكم الضرورة، والحاجة تنزل منزلة الضرورة وخاصة إذا عمت على ما قرره الفقهاء، ثم إن سلمنا أن ذلك من قبيل الحاجة، أليس التعامل الربوي مما تعم به البلوى في هذه البلاد؟ وهذا وحده كاف لتخفيف حكم التحريم، وهو ما قرره الحذاق من الأصوليين كالغزالي وعز الدين بن عبد السلام وأبي إسحاق الشاطبي – رحمهم الله -، وأكتفي بنقل ما ذكره الشاطبي فإنه مجزئ عن غيره، يقول الشاطبي”لو أطبق الحرام الأرض أو ناحية من الأرض يعسر الانتقال منها وانسدت طرق المكاسب الطيبة ومست الحاجة إلى الزيادة عن سد الرمق فإن ذلك سائغ أن يزيد على قدر الضرورة، ويرتقي إلى قدر الحاجة في القوت والملبس والمسكن إذ لو اقتصر على سد الرمق لتعطلت المكاسب والأشغال، لكنه لا ينتهي إلى الترف كما لا يقتصر على مقدار الضرورة وهذا ملائم لتصرفات الشرع وإن لم ينص على عينه”[16].

تخصيص الدليل العام بالمصلحة:

وقد فقه الأوائل هذا المعنى من قبل هؤلاء الأفذاذ “فكانوا لا يفتون في منع مسألة حتى ينظروا إلى حاجة الناس إليها، فإن وجدوا مسيس الحاجة إليها أو عموم المعاملة بها رخصوا وأباحوا وما ضيقوا من قواعد الفقه”[17].

وهم في ذلك متبوعون لا مبتدعون، فقد أقر الشارع الحكيم كثيراً مما كان يتعامل به الناس من العقود، على خلاق القياس، كالسلم والقراض والإجارة والمساقاة، وغيرها، وذلك لحاجة الناس، كما أباح r من المزابنة ما دعت إليه الحاجة وذلك فيما روى البخارى ومسلم عن زيد بن ثابت أن رسول الله r رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلاً[18]. ولمسلم “رخص في العرية يأخذها أهل البيت بخرصها تمراً يأكلونها رطباً”[19] وهذا الذي أباحه النبي r هو بيع فيه من الربا ثلاثة أوجه: بيع رطب بيابس من جنسه، واستعمال الحزر في تقدير عوضين ربويين، وخلوه من التقابض يداً بيد إذا كان التسليم عند الجذاذ.

والعرية هي النخلة الموهوب ثمرها، وعلية الترخيص عند مالك أن المُعرى (الموهوب له) يلزمه القيام بها وحراستها وجمع سواقطها وعليه في ذلك كلفة فرخص لمُعريها (الواهب) أن يشتريها ليكفيه تلك المؤن، أو لعله لرفع الضرر عن المُعري لتضرره بدخول المُعرى عليه في حائطه واطلاعه على أهله وقد كان أهل المدينة إذا حضر الجذاذ خرجوا بأهليهم إلى حوائطهم[2].

وعلة الترخيص عند الشافعي أنه كان إذا حضر موسم جذاذ التمر اشتاق ذوو الحاجة إلى أكله رطباً ولا يجدون ما يشترون به، فرخص لهم أن يشتروه بما معهم من التمر.

ومن ذلك ما تقدم عن متأخري الحنفية والشافعية من إباحة بيع الوفاء.

ومن ذلك أيضاً ما أفتى به مالك فيما نقله ابن رشد في بداية المجتهد، قال”روي عن مالك أنه سئل عن الرجل يأتي دار الضرب بورِقه أو ذهبه فيعطيهم أجرة الضرب ويأخذ منهم دنانير أو دراهم وزن ورقه أو ذهبه، فقال: إذا كان ذلك لضرورة خروج لرفقة ونحو ذلك فأرجو ألا يكون به بأس، وبه قال ابن القاسم من أصحابه”[21].

والذي استفاده أهل التحقيق من هذا المسلك التشريعي، وبعد استقراء تصرفات الشرع أنه بعد تقرر الأحكام – ولا يخرج ذلك عن أن تكون لجلب المصالح أو لدرء المفاسد – يبقى اعتبار مآل الأفعال، أي أن الشرع لا يهمل ما تؤول إليه أفعال المكلفين، فقد يؤول فعل المكلف إلى خلاف المقصود من الحكم وفي ذلك يقول أبو إسحاق الشاطبي:”النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود للشارع، كانت الأفعال موافقة أو مخالفة، وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة من المكلفين بالإقدام أو الإحجام إلا بعد نظره إلى ما يكون إليه ذلك الفعل، فقد يكون مشروعاً لمصلحة فيه تستجلب أو لمفسدة تدرأ، ولكن له مآل على خلاف ما قصد منه، وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به ولكن له مآل على خلاف ذلك، فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليه فيكون هذا مانعاً من إطلاق القول بالمشروعية، وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم المشروعية ربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزيد، فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية، فهو مجال للمجتهد صعب المورد إلا أنه عذب المذاق محمود الغب جار على مقاصد الشريعة”[22]، وهذا مستمد من أصل مالك وهو تخصيص العموم بالمصلحة استحساناً.

قال ابن العربي في معرض الكلام عن خلاف العلماء في الاستحسان بعد أن ذكر اختلاف أصحاب أبي حنيفة في تأويله”وقد تتبعناه في مذهبنا وألفيناه أيضاً منقسما أقساماً، فمنه ترك الدليل للمصلحة، ومنه ترك الدليل للعرف، ومنه ترك الدليل لإجماع أهل المدينة، ومنه ترك الدليل للتيسير لرفع المشقة وإيثار التوسعة على الخلق”[23].

إذا تقرر هذا المعنى فلننزله على مسألتنا فنقول: إن الربا حرم أساساً لإبطال الاستغلال ورفع الظلم ومنع أكل أموال الناس بالباطل، لكن إن اعتبرنا ما نحن فيه من المعاملة فالمقترض فيها منتفع؛ لنه بعد المقارنة بينا ما يلحقه من مفسدة دفع الفائدة وما يتحقق له من مصلحة مقابل ذلك، وجدنا المصلحة تربو كثيراً عن المفسدة.

ووجه ذلك أن المسلم هنا بين أمرين: إما أن يستأجر أو يشتري مسكنه بالقرض ذي الفائدة، ويقضي دينه بدفع أقساط شهرية لا تزيد في الأغلب عن ثمن الكراء الذي يدفعه المستأجر شهرياً، فالذي يشتري بالقرض يدفع أقساطاً لمدة أقصاها عشرون سنة، وقد تكون أقل من ذلك بكثير، وبعد هذه المدة يكون قد سدد ما عليه من الدين وبقي له المسكن ملكاً، أما المستأجر فبعد نفس المدة يكون قد دفع في الكراء قدر ثمن المسكن أو يزيد ولم يملك منه طوبة واحدة، ويستمر في الدفع إلى أن يلتحق بالرفيق الأعلى، فيكون ما دفعه في الكراء خلال عقود من الزمن هو أضعاف ثمن المسكن، وفي الأخير يخلف المشتري لأولاده في تركته الدار التي ولدوا وترعرعوا وشبوا فيها، ويخلف المستأجر لأولاده داراً مملوكة لغيره – مع أنه دفع أضعاف ثمنها كراء – ولو عجز أولاده عن دفع ثمن الكراء لطردوا منها من يومهم، وهذا في نظري جار على ما تقدم من قاعدة مآل الأفعال عند الشاطبي، فمنع المسلم هنا من الشراء بالاقتراض من البنك يؤول إلى نقيض المقصود من حكم التحريم.

والحاصل أن هذه المعاملة مما حرم تحريم وسائل وقفت بإزاء مصلحة معتبرة، أقل درجاتها أنها حاجية بالنسبة للآحاد، وإذا اعتبرت بالنسبة للجماعة – لأنها حاجة تعم – فضرورية؛ لأن الحاجي في حق الآحاد ضروري في حق المجموع كما بين ذلك الجويني في كتاب الغياثي قائلاً”ففي تعدي الكافة الحاجة من خوف الهلاك ما في تعدي الضرورة في حق الآحاد إذ لا يراعى فيما يعم الكافة الضرورة بل يكتفى بحاجة ظاهرة[24].

فإذا كان لا خلاف في أن العمومات تخص بالمصالح فلم يبق إلا تحقق أو عدم تحقق هذه المصلحة، وهو خلاف في تحقيق مناط لا مشاحة فيه، والمصالح متفاوتة الظهور والخفاء، والأكثر ظهوراً تلك التي للمرء فيها حظ ظاهر، والأكثر خفاء هي تلك التي تستجلب للجماعة في مجملها كما تقدم، وشراء المسكن وامتلاكه قد لا تظهر ضرورته أو شدة الحاجة إليه بالنسبة للآحاد، أما إذا اعتبرنا الجماعة في مجملها – وهي مجموع المسلمين في هذه البلاد – واعتبرنا حاجتها إلى الاستقرار وإلى تدارك العجز والفوارق التي تفصلها عن مجتمعها في ميادين شتى، وإذا نظرنا إلى ما يحققه من ذلك امتلاك السكن، زيادة على ما يؤدي إليه الكراء من تضييع للأموال، وما يؤدي إليه الشراء من حفظ لهذه الأموال فإن الشراء في حق الجماعة يكون من ضروراتها أو من حاجاتها التي تنزل منزلة الضرورة.

هذا، وللضرورة العامة أحكام وضوابط كما للضرورة الخاصة، فيجب مراعاة ذلك في نص الفتوى.

والله أعلم والموفق والهادي إلى سواء السبيل.

[1] أعلام الموقعين (2/99-1).

[2] أخرجه مسلم في صحيحه .حديث رقم(1234).

[3] الموسوعة الفقهية (25/18).

[4] أخرجه أبو داود في سننه (9/61-2947) وصححه الألباني في الجامع بحديث رقم (6486)

[5] الحطاب وبهامشه التاج والإكليل (2/54) ، والدر المختار بحاشية ابن عابدين (2/196) ومغني المحتاج (1/449) والمغني لابن قدامة (3/172).

[6] أخرجه الإمام أحمد في المسند (35/415-1751) والنسائي في عمل اليوم والليلة (172/8) وضعفه الألباني في غاية المرام حديث رقم (112).

[7] مسند الإمام أحمد (1/169) المعجم الكبير (1/144) وصححه الألباني .

[8] أخرجه الحاكم وحسنه الألباني في السلسلة حديث رقم (147).

[9] المعجم الكبير (24/153-2416)

[1] صحيح البخاري حديث رقم (2858).

[11] أخرجه أبو داود حديث رقم (3924) وحسنه الألباني في المشكاة حديث رقم (4589).

[12] فتح الباري لابن حجر (6/74-75).

[13] مقاصد الشريعة للشيخ الطاهر ابن عاشور (125-126).

[14] مقاصد الشريعة للشيخ الطاهر ابن عاشور (92-93).

[15] راجع الموسوعة الفقهية الكويتية (9/26-261).

[16] الاعتصام للشاطبي (2/125).

[17] الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي لمحمد الحجري (4/53).

[18] صحيح البخاري (8/127-2173) ، صحيح مسلم (1/1683965).

[19] صحيح مسلم (1/164-3961).

[2] الزرقاني على الموطأ (3/263).

[21] بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/163).

[22] الموافقات (4/195).

[23] المحصول في أصول الفقه للقاضي ابن العربي (13).

[24] كتاب الغياثي للإمام الجويني (478).


للتواصل معنا

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})


للتواصل معنا

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})


للتواصل معنا

قرض السكن حلال ام حرام

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})


للتواصل معنا

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})


للتواصل معنا

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})


للتواصل معنا

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})


للتواصل معنا

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})


للتواصل معنا

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})


للتواصل معنا

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})


للتواصل معنا

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})


للتواصل معنا

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})


للتواصل معنا

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})


للتواصل معنا

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})


للتواصل معنا

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})


للتواصل معنا

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})


للتواصل معنا

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})


للتواصل معنا

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})


للتواصل معنا

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})


للتواصل معنا

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})


للتواصل معنا

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})

قرض السكن حلال ام حرام


للتواصل معنا

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})


للتواصل معنا

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})


للتواصل معنا

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})


للتواصل معنا

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})


للتواصل معنا

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})


للتواصل معنا

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})


للتواصل معنا

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})


للتواصل معنا

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})


للتواصل معنا

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})


للتواصل معنا

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})


للتواصل معنا

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})

(adsbygoogle window.adsbygoogle || []).push({})


© 214 SudaneseOnline.com



25-9-13

سؤال:

الجواب:


قرض السكن حلال ام حرام

EN
FR
ES
CH


PE
TR
IN
RU

1

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *